كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



تنبيه:
الذي أنزل هو المفعول الأول، وهو ضمير فصل والحق: مفعول ثان لأن الرؤية علمية.
وقوله تعالى: {ويهدي إلى صراط} أي: طريق {العزيز الحميد} في فاعله وجهان:
أظهرهما أنه ضمير الذي أنزل وهو القرآن.
والثاني: ضمير اسم الله تعالى وهاتان الصفتان يفيدان الرهبة والرغبة، العزيز: يفيد التخويف والانتقام من المكذب والحميد يفيد الترغيب في الرحمة للمصدق.
{وقال الذين كفروا} أي: قال بعضهم على وجه التعجب لبعض {هل ندلكم على رجل} يعنون محمدًا صلى الله عليه وسلم {ينبئكم} أي: يخبركم إخبارًا لا أعظم منه بما حواه من العجب الخارج عما نفعله أنكم {إذا مزقتم} أي: قطعتم وفرقتم بعد موتكم. وقوله تعالى: {كل ممزق} يحتمل أن يكون اسم مفعول أي: كل تمزيق فلم يبق شيء من أجسادكم مع شيء بل صار الكل بحيث لا يميز بين ترابه وتراب الأرض، ويحتمل أن يكون ظرف مكان بمعنى إذا مزقتم وذهبت بكم الرياح والسيول كل مذهب {إنكم لفي خلق جديد} أي: تنشئون خلقًا جديدًا بعد أن تكونوا رفاتًا وترابًا.
والهمزة في قوله: {أفترى} أي: تعمد {على الله} أي: الذي لا أعلم منه {كذبًا} أي: بالإخبار بخلاف الواقع وهو عاقل صحيح القصد همزة استفهام فالقراء الجميع يحققونها، واستغنى بها عن همزة الوصل فإنها تحذف لأجلها فلذلك تثبت هذه الهمزة ابتداء ووصلًا، قال البغوي: هذه ألف استفهام دخلت على ألف الوصل فلذلك نصبت {أم به جنة} أي: جنون يحكى به ذلك، واستدل الجاحظ بهذه الآية على أن الكلام ثلاثة أقسام: صدق وكذب، ولا صدق ولا كذب ووجه الدلالة منه على القسم الثالث أن قولهم {أم به جنة} لا جائز أن يكون كذبًا لأنه قسيم الكذب وقسيم الشيء غيره، ولا جائز أن يكون صدقًا لأنهم لم يعتقدوه فثبت قسم ثالث. وأجيب عنه: بأن المعنى أم لم يفتر ولكن عبر هذا بقولهم {أم به جنة} لأن المجنون لا افتراء له.
تنبيه:
قوله: {أفترى} يحتمل أن يكون من تمام قول الكافرين أولًا أي: من كلام القائلين {هل ندلكم} ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب للقائل {هل ندلكم} كأن القائل لما قال له {هل ندلكم على رجل} قال له: هل افترى على الله كذبًا إن كان يعتقد خلافه أم به جنة أي: جنون إن كان لا يعتقد خلافه.
ولما كان الجواب ليس به شيء من ذلك عطف عليه قوله تعالى: {بل الذين لا يؤمنون} أي: لا يوجدون الإيمان لأنهم طبعوا على الكفر {بالآخرة} أي: المشتملة على البعث والعذاب {في العذاب} أي: في الآخرة {والضلال البعيد} أي: عن الصواب في الدنيا، فرد الله تعالى عليهم ترديدهم وأثبت لهم سبحانه ما هو أفظع من القسمين فقوله تعالى: {بل الذين لا يؤمنون بالآخرة} في العذاب في مقابلة قولهم {أفترى على الله كذبًا} وقوله تعالى: {والضلال البعيد} في مقابلة قولهم {أم به جنة} وكلاهما مناسب، أما العذاب فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤد إلى أنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوا الكذب إلى البريء، وأما الضلال فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء، فإنه لا يشهد عليه بأنه يعذب وإنما ينسبه إلى عدم الهداية فبين تعالى أنهم هم الضالون، ثم وصف ضلالهم بالبعد ووصف الضلال به للإسناد المجازي لأن من يسمى المهدي ضالًا يكون أضل، والنبي صلى الله عليه وسلم هادي كل مهتد.
ولما ذكر تعالى الدليل على كونه عالم الغيب وكونه مجازيًا على السيئات والحسنات، ذكر دليلًا آخر فيه التهديد والتوحيد بقوله تعالى: {أفلم يروا} أي: ينظروا {إلى ما بين أيديهم} أي: أمامهم {وما خلفهم} وذلك إشارة إلى جميع الجوانب من كلا الخافقين فقوله تعالى: {من السماء والأرض} دليل التوحيد فإنهما يدلان على الوحدانية، ويدلان على الحشر والإعادة لأنهما يدلان على كمال القدرة لقوله تعالى: {أوليس الذي خلق السموات والأرض بقادر على أن يخلق مثلهم} وأما دليل التهديد فقوله تعالى: {إن نشأ} أي: بما لنا من العظمة {نخسف بهم الأرض} أي: كما فعلنا بقارون وذويه لأنه ليس نفوذ بعض أفعالنا فيه بأولى من غيره {أو نسقط عليهم كسفًا} أي: قطعًا {من السماء} فنهلكهم بها، وقرأ حفص بفتح السين والباقون بسكونها.
تنبيه:
في قوله تعالى: {أفلم يروا} الرأيان المشهوران قدره الزمخشري أفعموا فلم يروا وغيره يدعي أن الهمزة مقدمة على حرف العطف، وقوله: {من السماء} بيان للموصول فيتعلق بمحذوف، ويجوز أن يكون حالًا فيتعلق به أيضًا قيل: وثم حال محذوفة تقديره: أفلم يروا إلى كذا مقهورًا تحت قدرتنا أو محيطًا بهم فيعلموا أنهم حيث كانوا فإن أرضي وسمائي محيطة بهم لا يخرجون من أقطارها، وأنا القادر عليهم وقرأ حمزة والكسائي {إن يشأ يخسف بهم الأرض أو يسقط} بالياء في الثلاثة كقوله تعالى: {افترى على الله كذبًا} والباقون بالنون، وأدغم الكسائي الفاء في الباء وأظهرها الباقون {إن في ذلك} أي: فيما ترون من السماء والأرض {لآية} أي: علامة بينة تدل على قدرتنا على البعث {لكل عبد} أي: متحقق أنه مربوب ضعيف مسخر لما يراد منه {منيب} أي: فيه قابلية الرجوع إلى ربه بقلبه.
ولما ذكر تعالى من ينيب من عباده وكان من جملتهم داود عليه السلام كما قال ربه {فاستغفر ربه وخر راكعًا وأناب} ذكره بقوله تعالى: {ولقد آتينا} أي: أعطينا إعطاء عظيمًا دالًا على نهاية المكنة بما لنا من العظمة {داود منا فضلًا} أي: النبوة والكتاب، أو الملك أو جميع ما أوتي من حسن الصوت وتليين الحديد وغير ذلك مما خص به، وهذا الأخير أولى.
تنبيه:
قوله تعالى: {منا} فيه إشارة إلى بيان فضل داود عليه السلام لأن قوله تعالى: {ولقد آتينا داود منا فضلًا} مستقل بالمفهوم وتام كما يقول القائل: آتى الملك زيدًا خلعة فإذا قال القائل: أتاه منه خلعه يفيد أنه كان من خاص ما يكون له، فكذلك إيتاء الله تعالى الفضل عام لكن النبوة من عنده خاص بالبعض ونظيره قوله تعالى: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان} فإن رحمة الله تعالى واسعة تصل إلى كل أحد، لكن رحمته في الآخرة على المؤمنين رحمة من عنده لخواصه وقوله تعالى: {يا جبال} محكي بقول مضمر ثم إن شئت قدرته مصدرًا، ويكون بدلًا من فضل على جهة تفسيره به كأنه قيل آتيناه فضلًا قولنا يا جبال، وإن شئت قدرته فعلًا وحينئذ لك وجهان: إن شئت جعلته بدلًا من آتينا معناه آتينا قلنا: يا جبال، وإن شئت جعلته مستأنفًا {أوبي} أي: رجّعي {معه} بالتسبيح إذا سبح أمر من التأويب وهو الترجيع وقيل: التسبيح بلغة الحبشة وقال العيني: أصله من التأويب في السير، وهو أن يسير النهار كله وينزل ليلًا كأنه يقول: أوبي النهار كله بالتسبيح معه وقال وهب: نوحي معه وقيل: سيري معه وقوله تعالى: {والطير} منصوب بإجماع القراء السبعة واختلف في وجه نصبه على أوجه: أحدها: أنه عطف على محل جبال لأنه منصوب تقديرًا لأن كل منادى في موضع نصب. الثاني: أنه عطف على فضلًا قاله الكسائي، ولابد من حذف مضاف تقديره آتيناه فضلًا وتسبيح الطير. الثالث: أنه منصوب بإضمار فعل أي: وسخرنا له الطير قاله أبو عمرو.
تنبيه:
لم يكن الموافق له في التأويب منحصرًا في الطير والجبال ولكن ذكر الجبال لأن الصخور للجمود والطير للنفور وكلاهما تستبعد منه الموافقة، فإذا وافقته هذه الأشياء فغيرها أولى، ثم من الناس من لم يوافقه وهم القاسية قلوبهم التي هي أشد قسوة قال المفسرون: كان داود عليه الصلاة والسلام إذ نادى بالنياحة أجابته الجبال بصداها، وعكفت الطير عليه من فوقه فصدى الجبال الذي يسمعه الناس اليوم من ذلك وقيل: كان داود إذا تخلل الجبال فسبح الله جعلت الجبال تجاوبه بالتسبيح نحو ما يسبح، وقيل: كان داود إذا لحقه فتور أسمعه الله تسبيح الجبال تنشيطًا له. وقال وهب بن منبه: كان يقول للجبال سبحي، وللطير أجيبي، ثم يأخذ في تلاوة الزبور بين تلك بصوته الحسن فلا يرى الناس منظرًا أحسن من ذلك، ولا يسمعون شيئًا أطيب منه، وذلك كما: كان الحصى يسبح في كف نبينا صلى الله عليه وسلم وكف أبي بكر وعمر رضي الله عنهما وكما: كان الطعام يسبح في حضرته الشريفة وهو يؤكل، وكما: كان الحجر يسلم عليه وأسكفة الباب وحوائط البيت تؤمن على دعائه، وحنين الجذع مشهور، وكما: كان الضب يشهد له والجمل يشكو إليه ويسجد بين يديه ونحو ذلك، وكما: جاء الطائر الذي يسمى الحمرة تشكو الذي أخذ بيضها، فأمره النبي صلى الله عليه وسلم برده رحمة لها.
ولما ذكر تعالى طاعة أكثف الأرض وألطف الحيوان الذي أنشأه الله تعالى منها، ذكر سبحانه وتعالى ما أنشأه من ذلك الأكثف، وهو أصلب الأشياء بقوله تعالى: {وألنا له الحديد} أي: الذي ولدناه من الجبال جعلناه في يده كالشمع والعجين يعمل منه ما يشاء من غير نار ولا ضرب مطرقة، وذلك في قدرة الله تعالى يسير، وكان سبب ذلك ما روي في الأخبار أن داود عليه السلام لما ملك بني إسرائيل كان من عادته أن يخرج للناس متنكرًا، فإذا رأى رجلًا لا يعرفه تقدم إليه يسأله عن داود ويقول له ما تقول في داود، وإليكم هذا أي رجل هو فيثنون عليه ويقولون خيرًا، فقيض الله تعالى له ملكًا في صورة آدمي فلما رآه داود تقدم إليه على عادته يسأله فقال الملك: نعم الرجل هو لولا خصلة فيه فراع داود ذلك وقال: ما هي يا عبد الله؟ فقال: إنه يأكل ويطعم عياله من بيت المال قال: فتنبه لذلك وسأل الله تعالى أن يسبب له سببًا يستغني به عن بيت المال يتقوت منه ويطعم عياله، فألان الله له الحديد وعلمه صنعة الدروع، وإنه أول من اتخذها يقال: إنه كان يبيع كل درع بأربعة آلاف درهم فيأكل ويطعم منها عياله، ويتصدق منها على الفقراء والمساكين ويقال: إنه كان يعمل كل يوم درعًا يبيعه بستة آلاف درهم، فينفق منها ألفين على نفسه وعياله، ويتصدق بأربعة آلاف درهم على فقراء بني إسرائيل، وإنما اختار الله تعالى له ذلك لأنه وقاية للروح التي هي من أمره ويحفظ الآدمي المكرم عند الله تعالى من القتل، فالزرّاد خير من القواس والسياف وغيرهما، لأن القوس والسيف وغيرهما من السلاح ربما يستعمل في قتل النفس المحرمة بخلاف الدرع قال صلى الله عليه وسلم «كان داود عليه السلام لا يأكل إلا من عمل يده».
ثم ذكر سبحانه وتعالى علة الإلانة بصيغة الأمر إشارة إلى أن عمله كان لله تعالى بقوله عز من قائل: {أن اعمل سابغات} أي: دروعًا طوالًا واسعات يجرها لابسها على الأرض، وذكر الصفة يعلم منها الموصوف، واختلف في معنى قوله سبحانه وتعالى: {وقدر في السرد} أي: نسج الدروع يقال لصانعه: الزراد والسراد فقيل: قدر المسامير في حلق الدروع أي: لا تجعل المسامير غلاظًا فتكسر الحلق ولا دقاقًا فتتقلقل فيها ويقال: السرد المسمار في الحلقة يقال: درع مسرودة أي: مسمورة الحلق {وقدر في السرد} اجعله على القصد وقدر الحاجة وقيل: اجعل كل حلقة مساوية لأختها مع كونها ضيقة لئلًا ينفذ منها سهم، ولتكن في ثخنها بحيث لا يقطعها سيف، ولا تثقل على الدرع فتمنعه خفة التصرف وسرعة الانتقال في الكر والفر والطعن والضرب في البرد والحر، والظاهر- كما قال البقاعي- أنه لم يكن في حلقها مسامير لعدم الحاجة بإلانة الحديد إليها، وإلا لم يكن بينه وبين غيره فرق ولا كان للإلانة كبير فائدة، وقد أخبر بعض من رأى ما نسب إليه بغير مسامير وقال الرازي: يحتمل أن يقال: السرد هو عمل الزرد وقوله تعالى: {وقدر في السرد} أي: أنك غير مأمور به أمر إيجاب إنما هو اكتساب، والكسب يكون بقدر الحاجة، وباقي الأيام والليالي للعبادة فقدر في ذلك العمل ولا تشتغل جميع أوقاتك بالكسب بل حصل به القوت فحسب، ويدل عليه قوله تعالى: {واعملوا صالحًا} أي: لستم مخلوقين إلا للعمل الصالح فاعملوا ذلك وأكثروا منه، وأما الكسب فقدروا فيه ثم أكد طلب الفعل الصالح بقوله تعالى: {إني بما تعملون بصير} أي: مبصر فأجازيكم به يريد بهذا داود وآله.
تنبيه:
كما ألان الله تعالى لداود عليه السلام الحديد ألان لنبينا صلى الله عليه وسلم في الخندق تلك الكدية وذلك بعد أن لم تكن المعاول تعمل فيها وبلغت غاية الجهد منهم، فضربها رسول الله صلى الله عليه وسلم ضربة واحدة، وفي رواية رش عليها ماء فعادت كثيبًا أهيل لا ترد فأسًا، وتلك الصخرة التي أخبره سلمان عنها أنها كسرت فئوسهم ومعاولهم وعجزوا عنها فضربها صلى الله عليه وسلم ثلاث ضربات كسر في كل ضربة ثلثًا منها، وبرقت مع كل ضربة برقة كبر معها تكبيرة وأضاءت للصحابة رضي الله تعالى عنهم ما بين لابتي المدينة بحيث كانت في النهار، كأنها مصباح في جوف بيت مظلم فسألوه عن ذلك، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن إحدى الضربات أضاءت له صنعاء من أرض اليمن حتى رأى أبوابها من مكانه ذلك، وأخبره جبريل عليه السلام أنها ستفتح على أمته، وأضاءت له الأخرى قصور الحيرة البيض كأنها أنياب الكلاب، وأخبر أنها مفتوحة لهم، وأضاءت له الأخرى قصور الشام الحمر كأنها أنياب الكلاب، وأخبر بفتحها عليهم فصدقه الله تعالى في جميع ما قال، وأعظم من ذلك تصلب الخشب له عليه السلام حتى صار سيفًا قوىّ المتن جيد الحديدة، وذلك أن سيف عبد الله بن جحش انقطع يوم أحد فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم عرجونًا فصار في يده سيفًا قائمة منه فقاتل به، فكان يسمى العرجون ثم لم يزل عنده يشهد به المشاهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وبعده حتى قتل، وهو عنده وعن الواقدي: أنه انكسر سيف سلمة بن أسلم يوم بدر، فأعطاه رسول الله صلى الله عليه وسلم قضيبًا كان في يده من عراجين رطاب فقال: اضرب به فإذا هو سيف جيد، فلم يزل عنده حتى قتل وإلحام داود للحديد ليس بأعجب من: إلحام النبي صلى الله عليه وسلم ليد معوذ بن عفراء لما قطعها أبو جهل يوم بدر فأتى بها يحملها في يده الأخرى فبصق عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم وألصقها فلصقت وصحت مثل أختها كما نقله البيهقي وغيره ومعجزاته صلى الله عليه وسلم لا تنحصر، وإنما أذكر بعضها تبركًا بذكره صلى الله عليه وسلم وأسأل الله تعالى أن يحشرنا في زمرته ويفعل ذلك بأهلينا ومحبينا.
ولما أتم الله تعالى المراد من آيات داود عليه السلام، أتبعها بعض آيات ابنه سليمان عليه الصلاة والسلام لمشاركته في الإنابة بقوله تعالى: {ولسليمان} أي: عوضًا عن الخيل التي عقرها لله تعالى: {الريح} قرأ شعبة الريح بالرفع على الابتداء، والخبر في الجار قبله أو محذوف والباقون بالنصب بإضمار فعل أي: وسخرنا {غدوها} أي: سيرها من الغدوة بمعنى الصباح إلى الزوال {شهر} أي: تحمله وتذهب به وبجميع عسكره من الصباح إلى نصف النهار مسيرة شهر {ورواحها} أي: من الزوال إلى الغروب {شهر} أي: مسيرته فكانت تسير به في يوم واحد مسيرته شهرين قال الحسن: كان يغدو من دمشق فيقبل بإصطخر وبينهما مسيرة شهر للراكب المسرع، وهذا كما سخر الله تعالى الريح لنبينا صلى الله عليه وسلم في غزوة الأحزاب، فكانت تهد خيامهم وتضرب وجوههم بالتراب والحجارة، وهي لا تجاوز عسكرهم إلى أن هزمهم الله تعالى بها، وكما حملت شخصين من الصحابة رضي الله تعالى عنهم في غزوة تبوك فألقتهما بجبل طيىء، وتحمل من أراد الله تعالى من أولياء أمته كما هو في غاية الشهرة ونهاية الكثرة، وأما أمر الإسراء والمعراج فهو من الجلالة والعظم بحيث لا يعلمه إلا الله تعالى، مع أن الله تعالى صرفه في آيات السماء بحبس المطر تارة وإرساله أخرى.